هونغ كونغ تخطط للسماح بخدمات التخزين Staking العملات الرقمية

تسير هونغ كونغ بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي رائد في مجال الأصول الرقمية. وقد جاء ذلك من خلال خطوة تنظيمية حديثة، تمثلت في السماح للمنصات المرخصة بتقديم خدمات التخزين (Staking) للعملات الرقمية. وتعكس هذه المبادرة التزام لجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة (SFC) بتحقيق توازن حقيقي بين الابتكار التكنولوجي والرقابة الصارمة. وفي المقابل، تتخذ ولايات قضائية أخرى مواقف أكثر تحفظًا.
زخم السوق وآفاق المستقبل
تشهد هونغ كونغ حاليًا زخمًا متناميًا في قطاع الأصول الرقمية. فعلى سبيل المثال، أطلقت المدينة في أبريل 2024 صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) الفورية للبيتكوين والإيثريوم، لتصبح بذلك أول ولاية قضائية آسيوية تقدم على هذه الخطوة. وقد عزز ذلك من ثقة المستثمرين بالسوق.
وفي دراسة أجرتها شركة “ستيت ستريت” للخدمات المالية، أشارت التوقعات إلى أن حجم سوق الأصول الرقمية في هونغ كونغ سيتجاوز 700 مليار دولار خلال هذا العام. وبهذا، من المرجح أن تتفوق على اليابان من حيث الحجم.
ضمن خططها المستقبلية، تعتزم SFC إصدار تنظيمات جديدة تشمل العملات المستقرة، بالإضافة إلى إنشاء أطر ترخيص لخدمات الحفظ وتداول الأصول الرقمية خارج السوق (OTC). كما تدرس الهيئة إمكانية إدراج خدمات التخزين ضمن صناديق المؤشرات الفورية، مما يوسّع نطاق الخدمات المنظمة ويزيد من تنوعها.
التخزين المنظم: عهد جديد لتقنية البلوكشين
تم الإعلان عن الإرشادات الجديدة خلال مهرجان الويب 3 في هونغ كونغ بتاريخ 7 أبريل 2025. وخلال المناسبة، أكدت كريستينا تشوي، المدير التنفيذي لمنتجات الاستثمار في SFC، أن تقنية البلوكشين تمتلك القدرة على “إعادة كتابة قواعد المال”. وقد شبّهت تأثيرها بالتحول الذي أحدثته الأقراص المرنة في طرق تخزين المعلومات.
بموجب هذه الإرشادات، يمكن للمنصات المرخصة لتداول الأصول الافتراضية (VATPs) والصناديق المصرّح بها تقديم خدمات التخزين. لكن، يجب عليها أولاً الحصول على موافقة خطية مسبقة من الهيئة. ويُعد التخزين آلية جوهرية في شبكات إثبات الحصّة (PoS)، حيث يسمح لحاملي العملات الرقمية بكسب عوائد من خلال قفل أصولهم، كما يسهم في دعم أمن الشبكة واستقرارها.
حماية العملاء والشفافية في المقام الأول
من أجل حماية العملاء، فرضت SFC مجموعة من المتطلبات التنظيمية. فعلى المنصات المرخصة أن تحتفظ بسيطرة كاملة على أصول المستخدمين. كما يُمنع تفويض عمليات التخزين إلى أطراف خارجية. علاوة على ذلك، يجب أن تحتفظ المنصات بالسيطرة الكاملة على وسائل السحب وآلياته.
ومن ناحية أخرى، تؤكد اللوائح على أهمية الشفافية. لذا، يجب على المنصات الإفصاح عن جميع المخاطر المحتملة المرتبطة بخدمات التخزين، بما في ذلك عقوبات “السلّاشينغ”، وفترات القفل، والمخاطر الفنية مثل الهجمات الإلكترونية أو تعطل المدققين. ويُطلب منها أيضًا توضيح هيكل الرسوم وآلية فك التخزين.
أما الصناديق الاستثمارية المصرّح بها، فهي ملزمة بالتعامل فقط مع جهات مرخصة عند تنفيذ عمليات التخزين. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليها الالتزام بقيود السيولة التي تهدف إلى تقليل المخاطر وتعزيز الاستقرار.
السياق الاستراتيجي والمقارنة الإقليمية
تندرج هذه الخطوة ضمن خارطة الطريق الشاملة التي أطلقتها هونغ كونغ تحت مسمى “ASPIRe”. وتهدف هذه المبادرة إلى ترسيخ موقع المدينة كمركز عالمي للأصول الرقمية. وقد قامت الحكومة، في هذا السياق، باتخاذ خطوات عديدة لتحسين الوصول إلى السوق، وتعزيز الرقابة، وتوسيع نطاق المنتجات الرقمية المتاحة.
عند المقارنة إقليميًا، يظهر تباين واضح في السياسات التنظيمية. فسنغافورة، على سبيل المثال، حظرت في عام 2023 تقديم خدمات التخزين للعملاء الأفراد. أما في الولايات المتحدة، فلا تزال لجنة الأوراق المالية (SEC) تتخذ مواقف صارمة ضد شركات تقدم خدمات مشابهة، على الرغم من الضغوط السياسية المتزايدة. يُذكر أن بعض الولايات، مثل إلينوي، قد بدأت بالتراجع عن ملاحقة شركات مثل كوينبيس.
خاتمة
من خلال توفير إطار تنظيمي واضح وصارم يسمح بتقديم خدمات التخزين، تقدم هونغ كونغ نموذجًا متطورًا لدمج الابتكار بالتنظيم الفعال. وتُعد هذه الخطوة تحوّلًا استراتيجيًا يعزز من مكانة المدينة كمركز رئيسي في عالم التمويل الرقمي. وبذلك، تضع نفسها في مقدمة الدول التي تسعى للتوفيق بين التطور التقني وحماية حقوق المستخدمين.