هل باءت تجربة السلفادور مع البيتكوين بالفشل فعلاً؟

أعلنت السلفادور في عام 2021 عن تبنّي البيتكوين كعملة قانونية. وهكذا أصبحت أول دولة في العالم تقوم بهذه الخطوة رسميًا. وقد برر الرئيس نجيب بوكيلي هذه المبادرة بأنها وسيلة فعالة لتعزيز الشمول المالي، وتقليل تكاليف التحويلات المالية، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات التقنية. ولكن، وبعد مرور ثلاث سنوات على هذا القرار التاريخي، بدأت الصورة الواقعية تتضح شيئًا فشيئًا، لتكشف عن تحديات معقدة وصعوبات لم تكن متوقعة.

إطلاق محفظة شيفو

أطلقت الحكومة محفظة رقمية تُعرف باسم “شيفو”، وقدّمت من خلالها لكل مواطن 30 دولارًا من البيتكوين كحافز مادي للتسجيل. لكن منذ البداية، واجهت المحفظة العديد من المشكلات التقنية، مما تسبب في انخفاض كبير في نسبة الاستخدام بعد الموجة الأولى من التسجيلات. وتشير دراسات لاحقة إلى أن الغالبية الساحقة من المواطنين تخلّوا عن استخدام المحفظة خلال عام واحد فقط. وهذا ما أدى إلى تراجع كبير في معدل التبني الفعلي لها.

التحديات التنظيمية ومحدودية الامتثال

على الرغم من الطموحات العالية، لم يكن الواقع التنظيمي والاقتصادي في البلاد على نفس المستوى من الجاهزية. ومن بين 181 شركة تم تسجيلها كمزوّدي خدمات بيتكوين، لم تتمكن سوى 20 شركة من مواصلة نشاطها. وقد استطاعت هذه الشركات وحدها الامتثال للمعايير القانونية التي يفرضها قانون البيتكوين. وتشمل تلك المعايير إجراءات صارمة لمكافحة غسيل الأموال، والاحتفاظ بسجلات دقيقة للأصول والخصوم، بالإضافة إلى تنفيذ استراتيجيات مخصصة للأمن السيبراني.

اقرأ ايضا:  CoinFerenceX دبي – أول حدث لامركزي في العالم يجمع بين الابتكار والانتشار العالمي

لكن في المقابل، تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 89٪ من الشركات لم تتمكن من الاستمرار في العمل. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، من بينها محدودية الموارد، وغموض بعض الجوانب التشريعية، إلى جانب التحديات اليومية التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما أن 22 شركة على الأقل لم تنجح في تلبية متطلبات المادة الرابعة من القانون، والتي تشدد على أهمية النزاهة والشفافية العالية.

الموقف الدولي وتعديلات القانون

بالتوازي مع التحديات الداخلية، برزت تحفظات دولية أثرت على سياسات السلفادور المالية. فقد أصبحت سياسة تبنّي البيتكوين موضع خلاف أثناء مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، الذي عبّر عن مخاوف تتعلق بالاستقرار المالي، وحماية المستهلكين، والمخاطر المحتملة على المالية العامة للدولة. وقد أوصى الصندوق بشكل صريح بإلغاء صفة العملة القانونية عن البيتكوين.

نتيجة لهذه الضغوط، قامت الجمعية التشريعية في البلاد بإجراء تعديلات غير معلن عنها بشكل رسمي على قانون البيتكوين. وقد شملت هذه التعديلات تخفيف حدة التطبيق، إذ لم تعد الشركات مُلزَمة بقبول البيتكوين، كما لم تعد الدولة مطالَبة بالمشاركة في المعاملات التي تعتمد عليه. وعلى الرغم من أن هذه التعديلات لم تُسلّط عليها الأضواء إعلاميًا، فإنها تعكس تحولًا جوهريًا في النهج الحكومي تجاه العملات الرقمية.

حالات ناجحة وسط بيئة صعبة

ورغم أن المشهد العام يبدو مثقلًا بالعقبات، فإن بعض الشركات تمكنت من تجاوز التحديات والتكيف مع الواقع التنظيمي. ومن بين هذه الشركات “شيفو وولت” و”كريبتو تريدينغ آند إنفستمنت” و”فينتك أمريكاز”. ومع ذلك، تظل هذه الحالات استثناءً محدودًا في بيئة تشهد ضعفًا واضحًا في البنية التحتية، بالإضافة إلى معوقات مؤسسية أعاقت التوسع في استخدام البيتكوين على نطاق أوسع.

اقرأ ايضا:  ترامب ميديا تطلب تدخل SEC وسط تراجع مالي واتساع التحقيقات

سياسات مستمرة رغم الغموض

من اللافت أن الرئيس بوكيلي لم يتراجع عن دعمه للبيتكوين، بل استمر في الإعلان عن صفقات شراء جديدة للعملة الرقمية. ووفق تصريحاته، فإن محفظة الدولة تحتوي على أكثر من 6100 بيتكوين، تُقدّر قيمتها بأكثر من 500 مليون دولار، وتحقق أرباحًا فعلية. ومع ذلك، فإن الغموض لا يزال يحيط بمصادر تمويل هذه المشتريات، الأمر الذي يثير مخاوف متزايدة. خصوصًا أن صندوق النقد الدولي نصح بعدم استخدام الأموال العامة لهذا النوع من الاستثمارات.

عوائق اقتصادية أمام الحلم الرقمي

يرى عدد من الخبراء، ومنهم هون نغ من شركة “بيتغيت”، أن حلم تحويل السلفادور إلى مركز عالمي للعملات المشفرة يواجه فجوة كبيرة بين الأطر القانونية والتطبيق العملي على أرض الواقع. حيث تعاني الشركات الناشئة من نقص الموارد، وعدم اليقين حول حجم الطلب من المستخدمين، فضلًا عن البطء الملحوظ في تبنّي البيتكوين من قبل الجمهور العام.

بين الطموح والواقع

في النهاية، ما زالت تجربة السلفادور مع البيتكوين قائمة، لكنها لم تكن بالسهولة التي توقّعها البعض. فقد تسببت التحديات التنظيمية والتقنية والاقتصادية في إعادة رسم ملامح المشروع الطموح. وبينما تُظهر الخطابات الرسمية التزامًا مستمرًا، تشير الحقائق على الأرض إلى تراجع ملحوظ في الحماس والزخم. ويظل الحلم بتحقيق ريادة رقمية قائمًا في السياسات والرؤى، لكنه لا يزال يواجه عراقيل فعلية تعيق تحققه الكامل.

اقرأ ايضا:  من علاج السرطان إلى تعدين الدوجكوين: كوبتيس ثيرابيوتيكس تراهن على المستقبل الرقمي

Abdulkader

الشريك المؤسس ومدير المحتوى في أفق الكريبتو. باستخدام خبراتي الطويلة في مجال العملات الرقمية، أسعى لإيصال المعلومة الصحيحة وتصحيح المفاهيم المغلوطة في عالم الكريبتو، وتقديم كل مايلزم القراء في العالم العربي وجميع أنحاء العالم.
زر الذهاب إلى الأعلى