هل ستكون بداية جديدة لعلاقة SEC بقطاع الكريبتو في عهد ترامب؟

تشهد هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) مرحلة جديدة في تعاملها مع قطاع العملات المشفرة. فقد نظمت أول جلسة طاولة مستديرة تهدف إلى مناقشة التحديات القانونية والتنظيمية التي تواجه الأصول الرقمية. ويُعد هذا الحدث مؤشرًا واضحًا على سعي الهيئة إلى إعادة هيكلة العلاقة مع هذا القطاع المتسارع، واستكشاف سبل أكثر فاعلية لتطبيق قوانين الأوراق المالية على عالم الكريبتو.
حضور متنوع ونقاش متعدد المحاور
وقد استضافت الهيئة هذا الاجتماع في مقرها بالعاصمة واشنطن، بمشاركة ثلاثة من مفوضي الهيئة واثني عشر محاميًا يمثلون مختلف أوجه صناعة العملات المشفرة. وصرّح المفوض المؤقت مارك أويدا، الذي يتولى قيادة هذه الجهود في ظل غياب رئيس دائم، بأن الهيئة تتحرك حاليًا على عدة مسارات تنظيمية في آنٍ واحد. وأشار إلى أن التصريحات السابقة، مثل تلك المتعلقة باستثناء الميم كوينز والتعدين من قوانين الأوراق المالية، لا تمثل مواقف قانونية ملزمة. ولكن، في المقابل، فإن هذه الجلسة تشكل خطوة عملية نحو إصدار تفسيرات رسمية وشاملة.
رؤية المفوضة هيستر بيرس
أما المفوضة هيستر بيرس، التي تقود فريق الكريبتو التابع للهيئة، فقد أكدت التزام الهيئة بالتعاون الجاد مع صناعة الكريبتو من أجل بناء إطار تنظيمي واقعي وفعال. وبيّنت أن الهدف يتمثل في “ترجمة خصائص الأوراق المالية إلى تصنيف بسيط”، يمكنه أن يشمل الأنواع المختلفة من الأصول الرقمية الحالية والمستقبلية. وأضافت أن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة من “الوضوح التنظيمي”، وهو ما عكسته تسمية الفعالية: “الاندفاع الربيعي نحو وضوح الكريبتو”.
اختبار هاوي وتفسيراته المعاصرة
وشكّل تطبيق اختبار هاوي الشهير على الأصول الرقمية أحد أبرز المحاور التي طُرحت خلال الجلسة. وقد قدّم البروفيسور كريس برومر، رئيس شركة Bluprynt وأستاذ القانون في جامعة جورجتاون، تحليلًا مفصلًا حول طبيعة هذا الاختبار. وأوضح أن غايته الأساسية تكمن في حماية المستثمرين، من خلال تقليص فجوات المعلومات، والتعامل مع المؤثرات النفسية مثل الجشع والخوف، التي قد تؤدي إلى قرارات استثمارية غير متوازنة. وعند اجتماع هذه العوامل، تبرز الحاجة إلى قواعد إفصاح إلزامية.
تأثير الإطار التنظيمي على الابتكار
وخلال مداخلة بارزة، عبّرت سارة برينان، المستشارة العامة لشركة Delphi Ventures، عن مخاوفها بشأن التأثير السلبي لاحتمالية تطبيق قوانين الأوراق المالية على مشاريع الكريبتو الناشئة. وقالت إن هذه المشاريع تميل إلى اعتماد نماذج تقليدية تشبه الطرح العام الأولي، بدلاً من التركيز على التوزيع الواسع للعملات في مراحل مبكرة. ونتيجة لذلك، أصبح العديد من المشاريع يعتمد على دعم مصطنع للأسعار، دون إطلاق فعلي للتقنية أو تفاعل حقيقي مع المستخدمين.
أهمية فهم الواقع الاقتصادي للمعاملة
ومن جانبه، أشار المحامي السابق في الهيئة جون ريد ستارك إلى أهمية النظر إلى “الواقع الاقتصادي للمعاملة”، معتبرًا أن غالبية من يقتنون العملات الرقمية يقومون بذلك بدافع استثماري بحت. وأكد أن هذا الواقع يتطلب من الهيئة أن تضطلع بدور واضح في حماية هؤلاء المستثمرين، وليس فقط مراقبة السوق من بعيد.
تقسيم الجلسة وتفاعل الجمهور
وقد قُسّمت الطاولة المستديرة إلى جزئين رئيسيين. تضمن الجزء الأول مناقشة مغلقة دامت تسعين دقيقة، بإدارة المفوض السابق تروي باردز، تلتها جلسة عامة فتحت المجال لتلقي أسئلة من الجمهور. ولوحظ الحضور اللافت في القاعة، إضافة إلى المتابعة الكبيرة عبر البث المباشر، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا من الأوساط المالية والتقنية بمواقف الهيئة وتوجهاتها.
خطوات تنظيمية متزامنة
وتزامن انعقاد هذه الفعالية مع حزمة من الخطوات التنظيمية التي باشرتها الهيئة مؤخرًا. من أبرزها سحب النشرة المحاسبية 121، وتعليق عدد من الدعاوى القضائية، ونشر بيانات توضيحية بشأن الميم كوينز والتعدين. وتدل هذه الخطوات مجتمعة على نية واضحة من الهيئة لخلق بيئة تنظيمية أكثر توازنًا ومرونة.
نحو مستقبل تنظيمي أكثر وضوحًا
ورغم أن التصنيفات القانونية النهائية للعملات المشفرة لا تزال موضع نقاش، فإن هذه الطاولة المستديرة تُعد نقطة انطلاق نحو حوار بنّاء، يتسم بالشفافية والانفتاح بين الهيئة والمنظومة الرقمية. ومن المحتمل أن تُسهم هذه الخطوة في رسم ملامح مستقبل التنظيم المالي المرتبط بالأصول الرقمية في الولايات المتحدة.