انهيار العملات الرقمية وأعطال في المنصات المركزية وغضب المتداولين بعد خسائر المليارات

شهدت أسواق العملات الرقمية خلال يومي 10 و11 أكتوبر 2025 واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخها، بعد الانهيار الحاد الذي أعقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيّته فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية. هذا القرار أشعل موجة بيع عنيفة في الأسواق العالمية، وامتد أثرها بسرعة إلى سوق الكريبتو، مما تسبب في تصفيات تتجاوز قيمتها 19 مليار دولار، وأثر بشكل مباشر على ملايين المتداولين حول العالم.

انهيار مفاجئ في الأسعار

مع نشر ترامب قراره عبر منصة Truth Social، دخلت الأسواق في حالة ذعر غير مسبوقة. انخفضت البيتكوين بأكثر من 13% خلال ساعات قليلة، متراجعة من نحو 122 ألف دولار إلى حوالي 102 ألف دولار قبل أن تستقر فوق 110 آلاف دولار. كما هبطت عملة الإيثر بأكثر من 18%، في حين فقدت العملات البديلة مثل سولانا ودوغ كوين ما بين 20% و30% من قيمتها.

تزامن هذا الانهيار مع هبوط حاد في مؤشرات الأسهم العالمية، ما أكد أن ما حدث لم يكن خاصًا بالكريبتو وحده بل أزمة سيولة عالمية شاملة. إلا أن الأثر الأوضح كان على البنية التحتية لمنصات التداول التي واجهت ضغطًا تقنيًا غير مسبوق، أدى إلى تعطل الأوامر وتأخير تنفيذها وتوقف جزئي في بعض الخدمات.

ضغوط غير مسبوقة على المنصات

مع تزايد وتيرة البيع، واجهت منصات التداول المركزية موجة من الأعطال التقنية. أبرز هذه الأعطال كانت في باينانس، وكوينبيس، وكراكن. فقد أبلغ مستخدمو باينانس عن تجميد مؤقت لحساباتهم وتعطل واجهة المنصة أثناء ذروة الهبوط، بينما فشلت أوامر وقف الخسارة في التنفيذ. أدى ذلك إلى خسائر كبيرة، كما شهدت بعض العملات مثل Enjin وATOM انهيارًا مؤقتًا إلى مستويات شبه صفرية نتيجة تلاشي السيولة من دفاتر الأوامر.

اقرأ ايضا:  تركيا تشدد رقابتها على العملات الرقمية بقانون جديد لمكافحة الجرائم المالية

كوينبيس واجهت بدورها مشكلات في الأداء، حيث أبلغ المستخدمون عن بطء في تنفيذ الصفقات وصعوبة في الوصول إلى المنصة. وأوضحت الشركة في بيانها التقني أن السبب يعود إلى تدفق هائل للطلبات خلال فترة قصيرة، مؤكدة أن خدماتها عادت إلى طبيعتها خلال ساعات. أما كراكن فقد شهدت انقطاعًا كليًا في الخدمة وفقًا لشكاوى المستخدمين في منتدياتها، إذ لم يتمكن بعضهم من تسجيل الدخول أو تنفيذ أوامر شراء أثناء انهيار السوق. كما واجهت روبنهود تأخيرات في تطبيقها، في حين عانت Bitget من اضطرابات في عرض البيانات وتنفيذ بعض العقود.

ورغم تلك المشكلات، تمكنت أغلب المنصات من استعادة نشاطها في اليوم التالي. ومع ذلك، كان الضرر قد وقع بالفعل، إذ صُفِّيت مراكز تداول كثيرة لمتداولين لم يتمكنوا من حماية استثماراتهم أو الاستفادة من فرصة الشراء عند الهبوط.

غضب المستخدمين وخسائر فادحة

انهالت الشكاوى عبر منصة X (تويتر سابقًا) من مستخدمين فقدوا مدخراتهم بسبب فشل أوامر وقف الخسارة أو عجزهم عن الوصول إلى حساباتهم أثناء الهبوط. وصف بعض المتداولين ما حدث بأنه أسوأ تجربة مرّوا بها، بينما نشر آخرون لقطات لأرصدة حساباتهم التي تقلصت إلى الصفر خلال دقائق قليلة.

تشير بيانات Coinglass إلى أن 85% من المراكز التي تمت تصفيتها كانت لمتداولين استخدموا رافعة مالية مرتفعة، وهو ما ضاعف من حجم الخسائر. بذلك، أصبح انهيار أكتوبر 2025 أكبر حدث تصفية في تاريخ سوق الكريبتو، متجاوزًا حتى أزمات عامي 2020 و2022.

اقرأ ايضا:  الإغلاق الحكومي الأمريكي ينعش أسواق العملات الرقمية ويعزز قوة البيتكوين

استجابة المنصات ووعود التعويض

في اليوم التالي للأزمة، أصدرت يي هي، الشريكة المؤسسة في باينانس، بيانًا عبر منصة X اعترفت فيه بوقوع خلل تقني بسبب الضغط الهائل على أنظمة المنصة. وقدمت اعتذارًا رسميًا للمستخدمين، داعية المتضررين لتقديم شكاوى رسمية للنظر في تعويضهم. وأكدت أن المنصة تتحمل مسؤوليتها وستراجع كل حالة على حدة.

أما كوينبيس فاكتفت بتوضيح فني حول الخلل دون الإعلان عن برنامج تعويض، بينما فضّلت كراكن الصمت واكتفت بمعالجة شكاوى المستخدمين عبر الدعم الفني. وأعلنت Bitget استعادة أنظمتها بعد إصلاح الأعطال بسرعة. في المقابل، استغلت بعض المنصات صمودها في مواجهة العاصفة كفرصة لإبراز قوتها. فقد أعلنت OKX أن أنظمتها عملت بشكل طبيعي طوال فترة الانهيار، مؤكدة أن زمن تنفيذ الأوامر لم يتجاوز ثلاث ميلي ثانية رغم ضغط التداولات. كذلك، أظهرت المنصات اللامركزية مثل Hyperliquid أداءً ثابتًا دون انقطاع، مما زاد من ثقة المستخدمين بها ودعم فكرة التحول التدريجي نحو حلول التداول اللامركزية.

اتهامات بالتلاعب وشبهات حول باينانس

رغم اعتذار باينانس، تصاعدت الاتهامات ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد اتهمها بعض المستخدمين بالتلاعب بالسوق بعد أن لاحظوا توقف المنصة في لحظات محددة سمح بتصفية مراكزهم دون تنفيذ أوامر الحماية. ورأى آخرون أن الأعطال المتكررة خلال فترات التصفية ليست مصادفة. باينانس نفت هذه الادعاءات تمامًا، مؤكدة أن ما حدث كان نتيجة تقلبات حادة غير متوقعة، وأن الشركة نفسها تكبدت خسائر.

اقرأ ايضا:  Metaplanet تقترب من هدفها السنوي وتصبح خامس أكبر شركة مالكة للبيتكوين عالميًا

في الوقت نفسه، ظهرت تقارير تشير إلى قيام بعض الحيتان القديمة في السوق بفتح صفقات بيع ضخمة قبل ساعات من الإعلان، ما أثار الشبهات حول وجود تداول مبني على معلومات داخلية. أحد هؤلاء المتداولين حقق أرباحًا تجاوزت 200 مليون دولار بعد الانهيار، وهو ما زاد من انتشار نظريات التلاعب في السوق.

ما بعد الأزمة

مع نهاية يوم 11 أكتوبر، بدأت الأسواق في استعادة توازنها التدريجي. ارتفع سعر البيتكوين إلى نحو 112 ألف دولار، بينما صعد الإيثر إلى قرابة 3,850 دولار. استغل المستثمرون الكبار الانخفاضات للشراء بأسعار منخفضة، في حين بدأت المنصات بإعادة تقييم بنيتها التقنية لضمان عدم تكرار ما حدث مستقبلًا.

يرى المحللون أن ما جرى يعد إنذارًا واضحًا بضرورة تعزيز جاهزية المنصات وتحسين قدرتها على التعامل مع الضغط المفاجئ. كما أكدوا أهمية تطوير أنظمة الطوارئ والتواصل الفوري مع المستخدمين خلال الأزمات. ويعتقد كثيرون أن تنويع المنصات التي يعتمد عليها المتداولون بات خطوة أساسية لحماية أموالهم من الأعطال المفاجئة.

انهيار أكتوبر 2025 ترك أثرًا طويل الأمد في سوق العملات الرقمية. فبالإضافة إلى الخسائر المليارية، كشف الحدث هشاشة البنية التقنية حتى لدى أكبر المنصات، وعمّق الجدل حول مركزية السوق وشفافية عملياته. ورغم تعافي الأسعار نسبيًا، فإن استعادة الثقة الكاملة بين المنصات والمستخدمين ستحتاج إلى وقت أطول وجهود أكبر.

Abdulkader

الشريك المؤسس ومدير المحتوى في أفق الكريبتو. باستخدام خبراتي الطويلة في مجال العملات الرقمية، أسعى لإيصال المعلومة الصحيحة وتصحيح المفاهيم المغلوطة في عالم الكريبتو، وتقديم كل مايلزم القراء في العالم العربي وجميع أنحاء العالم.
زر الذهاب إلى الأعلى