الولايات المتحدة تفتح الباب أمام البنوك للعمل كوسطاء في تداول العملات المشفرة

أكد مكتب المراقب المالي للعملة في الولايات المتحدة أن البنوك الوطنية يمكنها رسميًا العمل كوسطاء في ما يعرف بمعاملات “الوسيط الخالي من المخاطر” ضمن سوق العملات المشفرة، وذلك وفقًا للرسالة التفسيرية رقم 1188 الصادرة في 9 ديسمبر. ويعني هذا الإطار أن البنك يستطيع شراء أصل رقمي من عميل وبيعه في اللحظة نفسها لعميل آخر، دون الاحتفاظ بالعملات في ميزانيته العمومية إلا في حالات محدودة جدًا، ما يقلل من التعرض المباشر لتقلبات الأسعار.

ماهية معاملات الوسيط الخالي من المخاطر

يقوم هذا النوع من المعاملات على مبدأ الدخول في صفقتين متعاكستين في وقت واحد، بحيث يعمل البنك كحلقة وصل بين طرفين، دون تحمّل مخاطر الاحتفاظ بالأصل المشفر. وبهذا الشكل، تأخذ البنوك دورًا قريبًا من دور الوسطاء في الأسواق المالية التقليدية، ولكن داخل بيئة الأصول الرقمية. هذا النموذج يسمح للبنوك بالمشاركة في تدفق التداول دون أن تتحول إلى جهات مضاربة على الأسعار.

تخفيف القيود التنظيمية بعد سنوات من التشدد

يأتي هذا القرار ضمن سلسلة مراجعات تنظيمية واسعة بدأت منذ بداية عام 2025، وهدفت إلى إزالة العوائق التي كانت تحد من مشاركة البنوك في أنشطة العملات المشفرة عقب اضطرابات السوق خلال عامي 2022 و2023. ففي مارس، ألغى مكتب المراقب المالي للعملة متطلبات الحصول على موافقة مسبقة لبعض الأنشطة المشفرة، وأعاد التأكيد على مشروعية خدمات الحفظ، وبعض أنشطة العملات المستقرة، والمشاركة في شبكات دفاتر الأستاذ الموزعة باعتبارها جزءًا من النشاط المصرفي الطبيعي.

اقرأ ايضا:  الدعم الحاسم الذي يحتاجه الإيثيريوم لاختراق مستوى 3300 دولار

تحول متزامن لدى الاحتياطي الفيدرالي وFDIC

لم يكن مكتب المراقب المالي وحده في هذا المسار، إذ ألغت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع نظام الإخطار المسبق الذي فُرض في عام 2022، وأصبحت البنوك الخاضعة لإشرافها قادرة على ممارسة أنشطة الأصول الرقمية دون موافقة مسبقة طالما التزمت بمعايير إدارة المخاطر التقليدية. كما سحب الاحتياطي الفيدرالي خطاباته التنظيمية الخاصة بالعملات المشفرة والعملات المستقرة لعامي 2022 و2023، وأدمج الرقابة على هذه الأنشطة ضمن الإطار الإشرافي المعتاد، معتبراً أن لديه الآن الخبرة الكافية للإشراف عليها بالأدوات التقليدية.

ضوابط الامتثال ومكافحة غسل الأموال

رغم التخفيف التنظيمي، لا تزال البنوك ملزمة بالتقيد الصارم بالقوانين المعمول بها، وعلى رأسها متطلبات قانون السرية المصرفية وقواعد مكافحة غسل الأموال، إضافة إلى معايير إدارة مخاطر الأطراف الثالثة وضوابط دفاتر التداول. ويؤكد هذا الإطار أن الانفتاح على سوق العملات المشفرة لا يعني التخلي عن قواعد الانضباط المالي المعمول بها في النظام المصرفي.

توسيع قنوات التوزيع المنظمة للتداول

يساهم هذا التطور في توسيع قنوات التداول المنظمة للعملات المشفرة، حيث بات بإمكان البنوك تنفيذ صفقات لعملائها عبر بنيتها التحتية الداخلية، وهو ما قد يؤثر على فروقات الأسعار وآليات التسوية لعملاء إدارة الثروات والشركات والخدمات المصرفية الخاصة. ويُنظر إلى ذلك على أنه خطوة عملية لربط تداول العملات المشفرة بالبنية المؤسسية السائدة بدل الاعتماد الحصري على منصات التداول المتخصصة.

اقرأ ايضا:  هل يمكن لعملة Ethena (ENA) استعادة الزخم الصاعد من جديد؟

خطوات إضافية تجاه الحفظ والتشغيل على الشبكات

سمحت توجيهات سابقة صادرة في مايو للبنوك بتقديم خدمات حفظ وتنفيذ العملات المشفرة مع إمكانية الاستعانة بأطراف خارجية مؤهلة وفق أطر إدارة المخاطر المعتمدة. كما أقرّت توجيهات نوفمبر بإمكانية احتفاظ البنوك بكميات صغيرة من الرموز الأصلية لدفع رسوم الشبكات واختبار المنصات، ما أزال عوائق أمام تشغيل خدمات الحفظ، والتسوية الرمزية، والبنية التحتية القائمة على السلسلة داخل المؤسسات المصرفية.

الإطار التشريعي والدعم السياسي

على المستوى التشريعي، تزامنت هذه التحولات مع تقدم مشاريع قوانين في الكونغرس تتعلق ببنية أسواق العملات المشفرة والعملات المستقرة، وعلى رأسها مشروع يُعرف باسم GENIUS Act، والذي يركز على الوضوح التنظيمي بدل النهج العقابي. كما دعم الرئيس دونالد ترامب بيئة تنظيمية أكثر انفتاحًا تجاه الأصول الرقمية، ويُنظر إلى قرار مكتب المراقب المالي على أنه جزء من توجه أوسع لردم الفجوة بين التمويل التقليدي والعملات المشفرة.

انعكاسات القرار على المؤسسات المالية

نتيجة لهذا الوضوح التنظيمي، بدأت مؤسسات كبرى مثل بنوك استثمارية وتجارية في توسيع أو إطلاق خدمات تداول وحفظ الأصول الرقمية. ويُتوقع أن يتيح الإطار الجديد للبنوك دمج خدمات تنفيذ تداول العملات المشفرة ضمن علاقاتها الحالية مع العملاء، دون الحاجة إلى فتح حسابات في منصات خارجية أو تحميل ميزانياتها مخاطر تقلب الأسعار.

خطوة نحو التطبيع الكامل للعملات المشفرة

تعكس هذه القرارات مجتمعة انتقال العملات المشفرة من منطقة الأنشطة الاستثنائية عالية الحساسية إلى مساحة أقرب إلى التطبيع الكامل داخل النظام المالي الأمريكي. فبدلاً من التعامل معها كأنشطة طارئة، باتت اليوم جزءًا من منظومة تخضع للرقابة ذاتها التي تُطبق على باقي الأنشطة المصرفية، ما يمهد لتكامل أعمق بين الأسواق الرقمية والمؤسسات المالية التقليدية خلال المرحلة المقبلة.

اقرأ ايضا:  هيئة SEC الأميركية تلمح إلى تعزيز الخصوصية في توكننة الأوراق المالية

Abdulkader

مدير المحتوى في أفق الكريبتو. باستخدام خبراتي الطويلة في مجال العملات الرقمية، أسعى لإيصال المعلومة الصحيحة وتصحيح المفاهيم المغلوطة في عالم الكريبتو، وتقديم كل مايلزم القراء في العالم العربي وجميع أنحاء العالم.
زر الذهاب إلى الأعلى