مشروع قانون لتنظيم الأصول الرقمية في أمريكا يمنح لجنة تداول السلع الآجلة صلاحيات أوسع
يواصل الكونغرس الأمريكي خطواته نحو تنظيم سوق الأصول الرقمية، بعد أن نشرت لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ مسودة مشروع قانون جديد يهدف إلى تحديد صلاحيات لجنة تداول السلع الآجلة (CFTC) في الإشراف على التداول الفوري للأصول الرقمية. يشكل هذا المشروع خطوة مهمة نحو بناء إطار قانوني واضح يحدد صلاحيات كل من لجنة تداول السلع الآجلة ولجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، بعد سنوات من الجدل حول الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع العملات المشفرة.
التقدم التشريعي والسياق السياسي
تأتي هذه الخطوة بعد أشهر من النقاش بين لجنتي الزراعة والبنوك في مجلس الشيوخ، حيث تعمل كل لجنة على صياغة نسختها الخاصة من القانون. وقد تزامن نشر المسودة مع انتهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة. أدى هذا الحدث إلى إعادة النشاط التشريعي ومنح دفعة قوية لجهود تنظيم سوق العملات الرقمية.
وفي الوقت ذاته، شهدت الأسواق ارتفاعًا في أسعار العملات المشفرة بعد تصريحات للرئيس دونالد ترامب أشار فيها إلى رغبته في توزيع شيكات مالية بقيمة لا تقل عن 2000 دولار لكل مواطن. إلا أن وزير الخزانة سكوت بيسنت أوضح لاحقًا أن الدعم قد يكون على شكل تخفيضات ضريبية بدلًا من مدفوعات مباشرة. نتيجة لذلك، تفاعلت الأسواق بقوة، وقفز سعر بيتكوين من أقل من 100 ألف دولار في 7 نوفمبر إلى أكثر من 106 آلاف دولار في 9 نوفمبر.
تفاصيل مسودة لجنة الزراعة
تتألف المسودة من 155 صفحة، وقاد إعدادها رئيس اللجنة جون بوزمان وعضو الحزب الديمقراطي كوري بوكر. وتهدف إلى منح لجنة تداول السلع الآجلة الدور الرئيسي في الإشراف على أسواق الأصول الرقمية. كما تحدد المسودة مفاهيم أساسية مثل مصطلح “البلوكتشين” وآليات التعاون بين لجنتي CFTC وSEC لوضع القواعد المشتركة المتعلقة بالهامش والإشراف على الوسطاء وضمان الشفافية وتجنب تضارب المصالح في الأسواق.
ورغم التقدم المحقق، لا تزال بعض الأقسام محل خلاف بين الحزبين. إذ تطالب بعض البنود بوجود عضوين من الحزب الأقلية ضمن لجنة تداول السلع الآجلة لضمان التوازن السياسي. حاليًا، تدير اللجنة رئيسة بالإنابة كارولين فام، بينما رشح الرئيس ترامب مستشارًا من لجنة الأوراق المالية لتولي المنصب الدائم. هذا التباين السياسي يعكس عمق الانقسام داخل الكونغرس حول كيفية إدارة القطاع.
ملف التمويل اللامركزي (DeFi)
يبقى ملف التمويل اللامركزي من أكثر المواضيع إثارة للجدل داخل المسودة. فقد تضمنت المسودة قسمًا مؤجلًا بعنوان “بانتظار المزيد من الآراء”، وهو ما يعكس الانقسام حول كيفية تنظيم مشاريع DeFi والمطورين العاملين فيها. وأشارت أماندا تومينيلي، المديرة التنفيذية لمؤسسة DeFi Education Fund، إلى ضرورة أن يوفر القانون حماية واضحة للمطورين الذين لا يحتفظون بأموال المستخدمين، مؤكدة أن التمييز بين المنصات المركزية والمطورين المستقلين ضروري لضمان العدالة.
التنسيق بين اللجان والتحديات القانونية
تخضع لجنة الزراعة لإشراف لجنة تداول السلع الآجلة، بينما تتولى لجنة البنوك الإشراف على لجنة الأوراق المالية. لذلك، يجب على كل لجنة تمرير مشروعها قبل دمجهما في قانون واحد. لكن الخلافات الحزبية والاضطرابات السياسية، خصوصًا الإغلاق الحكومي الأخير، أدت إلى تأخير عملية التصويت والمناقشة. إضافة إلى ذلك، يرى بعض الديمقراطيين أن لجنة الزراعة لا تملك الصلاحية الكاملة لتنظيم بعض الجوانب المالية، ما يستدعي تعاونًا أوثق مع لجنة البنوك.
وفي المقابل، أعرب بعض الجمهوريين، مثل السيناتور جون كينيدي، عن تحفظاتهم بشأن جاهزية المشروع للمرحلة النهائية. هذه الانقسامات الداخلية تجعل التقدم بطيئًا، لكنها في الوقت نفسه تفتح المجال لمزيد من التعديلات التي قد تحسن جودة التشريع وتوسّع نطاق التوافق.
التوقعات المستقبلية
تركز المسودة على تمكين لجنة تداول السلع الآجلة من الموارد والصلاحيات الضرورية للإشراف على سوق الأصول الرقمية بكفاءة أعلى. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلًا قبل أن يصبح المشروع قانونًا نافذًا. ومع اقتراب عطلة عيد الشكر وتقلص عدد الجلسات التشريعية، من المرجح أن يتم تأجيل التصويت إلى العام المقبل.
ويتوقع خبراء أن يتم التصويت على نسختي المشروع في اللجنتين بحلول نهاية العام، ثم دمجهما في نسخة موحدة خلال الربع الأول من عام 2026. وفي حال إقراره، سيعد هذا القانون خطوة تاريخية نحو تنظيم سوق العملات الرقمية في الولايات المتحدة، مما يضمن وضوحًا قانونيًا واستقرارًا أكبر للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية. هذا التطور قد يمثل نقطة تحول حقيقية في مسار الصناعة الرقمية الأمريكية.
