ماليزيا تواجه ارتفاعًا في سرقات الكهرباء بسبب أنشطة تعدين العملات الرقمية

تشهد ماليزيا موجة متصاعدة من سرقات الكهرباء، ويرتبط ذلك ارتباطًا مباشرًا بأنشطة تعدين العملات الرقمية غير القانونية. ووفقًا لتقارير رسمية صادرة عن شركة الكهرباء الوطنية الماليزية (TNB)، فإن هذا التوجه يمثل تحديًا حقيقيًا يتطلب تدخلًا واسع النطاق. فقد سُجلت زيادة واضحة في عدد حالات سرقة الكهرباء خلال السنوات الأخيرة، وذلك بسبب الإقبال المتزايد على تعدين العملات المشفّرة مثل عملة البيتكوين، والذي يتطلب كميات هائلة من الطاقة الكهربائية.
تصاعد كبير في عدد الحالات
أظهرت إحصاءات شركة TNB أن عدد حالات سرقة الكهرباء المرتبطة بتعدين العملات الرقمية ارتفع من 610 حالات في عام 2018 إلى أكثر من 2,397 حالة في عام 2024. كما بلغ المتوسط السنوي حوالي 2,303 حالة خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2024. وتشير هذه الأرقام إلى وجود نشاط غير قانوني متنامٍ يستوجب التعامل معه بجدية. ولهذا السبب، قامت الشركة بتعزيز تعاونها مع الجهات الأمنية والرقابية، بهدف كبح هذه الظاهرة.
أساليب السرقة والتلاعب بالشبكة
يلجأ العاملون في التعدين غير القانوني إلى وسائل متعددة للحصول على الكهرباء دون دفع تكلفتها. ومن أبرز هذه الوسائل: توصيل الأجهزة مباشرة بشبكات الكهرباء الفرعية أو الالتفاف على عدادات القياس باستخدام كلبسات وأسلاك مخفية. وبهذه الطريقة، يمكن تشغيل معدات التعدين بكفاءة دون تسجيل الاستهلاك الفعلي، مما يعرّض الشبكة الكهربائية لضغط هائل ويؤثر سلبًا على أداء الخدمة العامة.
إجراءات حكومية مشددة
استجابةً لهذا الوضع المتفاقم، كثفت الحكومة الماليزية، بالتعاون مع شركة الكهرباء الوطنية، من حملاتها الرقابية والتفتيشية. كما تم تفعيل آليات متقدمة لمراقبة استهلاك الكهرباء، من بينها تركيب عدادات ذكية قادرة على تسجيل البيانات وتحليلها لحظيًا. ومن ناحية أخرى، طُبقت عقوبات قانونية صارمة على المخالفين، تتضمن الغرامات المالية والسجن، استنادًا إلى ما ورد في قانون الكهرباء الماليزي.
حادثة بارزة في ولاية بيراك
شهدت ولاية بيراك الماليزية في مطلع عام 2025 حادثة لافتة للنظر، حيث تبيّن أن 60 منزلًا وفندقًا قد استُخدموا كمواقع سرية لتعدين العملات الرقمية. وقد تمت هذه الأنشطة عبر توصيلات كهربائية غير شرعية، مما أدى إلى إصدار فواتير ضخمة بلغت قيمتها ما بين 30 ألف و1.2 مليون رنجيت ماليزي. ولا شك أن هذه الحادثة كانت بمثابة جرس إنذار للسلطات والمجتمع المحلي، ما دفعهم إلى تكثيف الرقابة.
حالات مشابهة عالميًا
لا تقتصر ظاهرة سرقة الكهرباء لأغراض التعدين على ماليزيا فحسب، بل تمتد إلى العديد من الدول حول العالم. ويمكن تلخيص بعض هذه الحالات كما يلي:
إيران
في إيران، أدت أسعار الكهرباء المدعومة من الحكومة إلى زيادة الإقبال على التعدين غير القانوني. وقد صادرت السلطات أكثر من 240 ألف جهاز تعدين، كانت تعمل دون تصاريح قانونية، ما تسبب في استهلاك مفرط للكهرباء أثر على الشبكة الوطنية.
كازاخستان
بعد أن حظرت الصين نشاط التعدين، تحولت كازاخستان إلى مركز جديد لهذا النشاط. ومع ذلك، واجهت البلاد أزمة نقص في الكهرباء، مما دفع الحكومة إلى إغلاق مزارع التعدين غير المرخصة، وفرض رسوم إضافية على استهلاك الطاقة. ويُذكر أن هذه الإجراءات ساعدت على تقليص الضغط على الشبكة الوطنية.
الصين
كانت الصين تُعد واحدة من أكبر الدول المنتجة للبيتكوين، إلى أن قررت حظر تعدين العملات الرقمية بالكامل عام 2021. وقد كشفت التحقيقات عن عدة حالات لسرقة كهرباء من مؤسسات حكومية ومرافق عامة، حيث استُخدمت هذه الطاقة في تشغيل أجهزة تعدين سرية دون علم السلطات.
روسيا
اعتمدت روسيا سياسة تنظيمية جزئية تجاه تعدين العملات. ورغم وجود تراخيص قانونية، فإن العديد من عمليات التعدين السرية لا تزال قائمة، خاصة في المناطق ذات التعرفة المنخفضة مثل سيبيريا وداغستان. وفي بعض الحالات، وُجهت اتهامات لموظفين حكوميين باستخدام شبكات الكهرباء الرسمية لصالح أنشطة تعدين خاصة.
الخلاصة
تُعد سرقة الكهرباء من أخطر التحديات التي تواجه الدول مع تزايد عمليات تعدين العملات الرقمية. ويتضح من تجارب ماليزيا ودول أخرى أن التشريعات وحدها لا تكفي. لذا، يجب تعزيز البنية التحتية للمراقبة الذكية، وتكثيف التوعية المجتمعية، إضافة إلى تطوير تقنيات الكشف المبكر. ومن خلال تنفيذ هذه الخطوات بشكل منسق، يمكن الحد من انتشار الظاهرة وتحقيق التوازن بين دعم الابتكار ومكافحة الاستغلال غير القانوني للموارد العامة.